قصة العوينات

تعتبر النظارات خامس أهم اختراع للجنس البشري، وهذا لأن أنه لأول مرة في تاريخ البشرية بعد ابتكار النظارة، تمكن ملايين الأشخاص من المصابين بضعف الرؤية من التمتع برؤية سليمة .. فيجب ألا ننسى أن النظر هو أروع الحواس الخمسة .. وبالطبع فإن النظارات أو العوينات أو الشوافات لم تصل إلى ماهي عليه الآن في يوم وليلة .. أبدا .. فقد ساهم في اكتشافها وتطويرها أطباء وفلاسفة وسياسيين .. فق بدأت الخطوات الأولى للنظارة من قبل الميلاد ببضع عقود، وهذا بعدما كبر الخطيب الروماني شيشرون في السن وحدث له ضعف في حاسة البصر، فكان يجعل العبيد يقرأون له، لكنه كان دائما يشعر بالضيق بسبب أن العبيد كانوا دائما أصحاب صوت هابط، فأصبح يستخدم حجر أخضر شفاف لتكبير الكتابة .. بالطبع لم تكن الكلمات في غاية الوضوح، إلا أنها كانت تؤدي الغرض، وبعدها انتبه الامبراطور نيرون إلى أنه لم يعد قادر على متابعة مباريات المصارعة التي يتابعها بانتظام وهذا بسبب ضعف نظره، فاستخدم حجر أخضر شفاف مثل الذي كان بيستخدمه شيشرون، وهذا لتحسين الرؤية اثناء مشاهدة المباريات .. وفي عام ستين ميلاديا كان لوكيوس سينيكا الفيلسوف والخطيب الروماني يعاني من ضعف النظر .. فكان بيستخدم كرة زجاجية مملوءة بالماء لتكبير النصوص اللي بيقرأها.

وبعد ألف عام تقريبا الحسن بن الهيثم عالم البصريات المسلم بيشير في كتاب بعنوان “كتاب البصريات” بأن الزجاج المصقول من الممكن أن يساعد شخص يعاني من ضعف بالرؤية .. وبعد 250 سنة تقريبا يترجم كتاب البصريات للغة اللاتينية، وتتحول دراسة الحسن ابن الهيثم إلى حقيقة عندما قام الرهبان الإيطاليين في القرن الثالث عشر بصنع عدسة شبه كروية مصنوعة من الكريستال الصخري والكوارتز، والتي عندما قاموا بوضعها فوق الكتابة اكتشفوا أن الحروفتكبر وتصبح واضحة جدا، فأطلقوا على هذا الابتكار اسم “حجر القراءة” بالطبع الرهبان الكبار بالعمر المصاب أغلبهم بـ قصر النظر الشيخوخي اعتبروا هذا الحجر نعمة النعم لأنهم أصبحوا يقرأون من جديد بدون مساعدة من أحد.

وفي عام 1284م يصنع المخترع الإيطالي سالفينو دارمات أول نظارات للعين من الممكن ارتداؤها وكانت عبارة عن حلقتين من الخشب موصولين مع بعضهما بمسمار، وكانت تثبت على الأنف فقط فكان لابد من أن يقوم الشخص الذي يستخدمها بالامساك بها بأصابعه طوال الوقت. وفي نهاية القرن الثالث عشر وبجزيرة صغيرة في إيطاليا اسمها مورانو .. كان هناك مصنع زجاج وكانت وصفات الزجاج الذي يصنع فيه سرية يمنع خروجها إلى خارج الجزيرة، وفي مصنع مورانو للزجاج قاموا بابتكار عدستين محدبتين من الكريستال ووضعوهم داخل نظارات سالفينو دارمات، وبعد انتشار سر عجينة الزجاج الشفافة في القرن الرابع عشر ، أصبحت العدسات أقل تكلفة، وهذا ما سهل تسويقها خارج حدود إيطاليا.

وفي عام 1440م تم اختراع المطبعة اللي جعلت القراءة أكثر انتشارا، بالتالي ارتفعت معدلات القراءة والكتابة، وارتفع معها الطلب على نظارات القراءة، التي بعد عدة قرون يتطور شكلها، وتظهر الـ لورنييت وهي عبارة عن نظارة لها ذراع واحد يمسك باليد، كما ظهر أيضا المونيكول وهو عبارة عن نظارة من عدسة واحدة تمسك بعضلات الوجه والنظارتين سواء اللورنييت أو المونيكول كان يتم تصنيعهم من مواد ثمينة جدا وكانوا يعدوا من المجوهرات. وفي عام 1727م تحدث الطفرة اللي سوف تثبت شكل النظارة حتى وقتنا الحالي، وهذا عندما يقوم طبيب العيون البريطاني إدوارد سكارليت باختراع أول نظارات لها ذراعين، فاصبح من الممكن تثبيت النظارة على الأنف والأذنين بنفس الوقت.

وفي عام 1784م بيبتكر بنجامين فرانكلين السياسي والمخترع الأمريكي العدسات ثنائية البؤرة، والتي تعد الأب الأول للعدسات متعددة البؤرة اليوم، وذها هو السبب في أن العدسات ثنائية البؤرة لا تزال تعرف باسم “نظارات فرانكلين”. وفي عام 1825م يخترع السير جورج إيري العدسات الأسطوانية المستخدمة لتصحيح الاستجماتيزم، و الاستجماتيزم هو تشوش الرؤية بسبب الشكل غير المنتظم لكرة العين، ويمكن استخدام العدسات ثنائية البؤرة لعلاج قصر النظر. ويكتشف جون ويسلي المخترع الأمريكي عام 1869م طريقة لصنع الكولوديون الصلب ويطلق عليه اسم السليلويد، وهو أول شكل صناعي من البلاستيك، وبالتالي تم استخدام السليلويد لاحقا لصنع إطارات نظارات لم يكن لها مثيل من قبل.

وابتداء من خمسينيات القرن العشرين أصبحت النظارات الطبية منتشرة بشكل كبير بسبب نجوم السينما الذين ظهروا مرتدينها في الافلام, فأصبح ارتداء النظارات الطبية عند الناس على سبيل الموضة أو الشياكة وليس فقط بسبب ضعف النظر، وحتى اليوم يتم تطوير النظارات كشكل وخامات وقدرة عدسات.